هل انتهى عهد الرُّواد ؟!
إن الصحوة الإسلامية التي عمت بلاد المسلمين ، وشملت بخيراتها العديد من بقاع العالم ،
والتي بدأت مسيرتها في مطلع القرن العشرين ، وما زالت تتعاظم وتنمو حتى لم تعد خافية على أحد ،
كان وراءها رجالٌ هيأهم الله تبارك وتعالى لهذه المهمة المقدسة ، وحباهم من المؤهلات والمزايا الشخصية ،
والصفات والخصائص الروحية والنفسية ماجعلهم يقومون بأعبائها خير قيام ، ثم ارتحلوا إلى الرفيق الأعلى وإنَّ عيونهم لقريرة بما وفقهم الله إليه وما أكرمهم به من ردِّ الشاردين وهداية الضالين ،
وبيان الحقائق وتعبيد الطريق للسالكين ، وبذلك كانوا الرواد للأمة في الوقتِ الذي وُجدوا فيه والظروفِ التي عاشوا في غمرتها .
وأمتنا اليوم وهي تعاني من ظروفٍ قاسية وأوقاتٍ عصيبة بحاجة ماسة إلى أمثال أولئك الرواد يزيلون براسخ العلم ما التبس على الناس في عالم المبادئ والأفكار ،
وينيرون بإشعاعات عقولهم ما خيم عليه الظلام من جوانب الحياة ، ويستثيرون بصدق عزماتهم ما ضعف من العزائم وما وهن من الهمم ..
ولكن أين هم هؤلاء الرواد الذين نحتاجهم ؟ إننا نتلفت يمنة ويسرة فلا نرى إلا نفراً قليلاً منهم مازالوا منذ أمد غير قصير في الساحة وحدهم يبذلون ما يستطيعون جزاهم الله خيراً وبارك في حياتهم ،
وهم بالطبع لا يغطون حاجة الأمة على اتساع رقعة بلدانها وكثرة أعدادها ، إذن نحن أمام قضية تستدعي الدراسة الجادة وإيجاد الحلول ..
وبرأيي إن السبب في هذه الظاهرة هو تقصير الأعمال الإسلامية القائمة في اكتشاف الطاقات وتنميتها وتأهيلها ليكون أصحابُها في المستقبل روادَ الأمة في كل المجالات ،
وبصدد الحديث عن هذه القضية لا نريد أن نسترسل مع القائلين : إن بعض القائمين على الأعمال الإسلامية هم مَن يقصدون إلى تغييب هذه الطاقات في تراب التبعية حتى لا تقوى وتظهر فتنافس على الزعامة والصدارة ،
وهذا أمر نستبعده على الأقل فيمن نعرف من دعاة ورواد ، ولكن الذي نعتقده أن هذا الأمر هو غائب ، أو عَدَتْ عليه رياحُ الإهمال والتقصير .
والخطوة الأولى في العلاج تبدأ من البحث عن الطاقات الفطرية التي منحها الله تبارك وتعالى لأناس مخصوصين ثم احتضانها ورعايتها وتأهيلها بما يتناسب مع العصر ويواكب تطور الزمن .
ولعلنا نلمح هذه الميزة بالذات من خلال المعجزات التي أيد الله عز وجل بها رسله وأنبياءه عليهم الصلاة والسلام ،
إذ قد أيـَّد عيسى عليه السلام بمعجزة إبراء المرضى في زمن شاع فيه الطب ،
وأيـَّد موسى بالعصا في زمن انتشر فيه السحر ،
وأيـَّد رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالمعجزة البلاغية البيانية القرآن الكريم في زمن كان لفصاحة اللسان وبلاغة التعبير المكان الأسمى .
إن اكتشاف الطاقات والعناية بها أمر على غايةٍ من الأهمية في صناعة الرجال وتخريج القادة ،
وهو ما اهتمت به كلَّ الاهتمام البلاد المتقدمة اليوم فأوجدت في سبيل ذلك الكليات وربما الجامعات .
والأَولى بالمسلمين بل بدعاة الإسلام أن يتنبهوا لهذه القضية وأن يولوها جُلَّ اهتمامهم ،
وبعد ذلك إن شاء الله لن نقول لقد انتهى عهد الرواد ...
...................................